العنوسة عند الرجالكثر الحديث في الآونة عن ظاهرة فريدة من نوعها وهي ظاهر ة العنوسة عند الرجال , لدى كانت محاولات جادة لدراسة الظاهرة بداية من تحديد مفهوم العنوسة حيث اتفق اللغويون على أن ( العانس من الرجال ومن النساء هو الذي يبقى زمانا بعد أن يدرك لا يتزوج ).
إلا أن العلماء اختلفوا في السن الذي يعد فيه الرجل عانسا على أقوال هي أربعون أوخمس و أربعون أو أكثر من ذلك وذهب آخرون الى أن سن العنوسة يعود للعرف.
و سنحاول رصد هذه الظاهرة بتحديد الأسباب الكامنة وراء العنوسة عند الرجال و آثارها و الحلول المقترحة قدر الإمكان.أسباب العنوسة :تعتبر ظاهرة العنوسة نتاج تفاعل عوامل اجتماعية وسياسية وثقافية اقتصادية ونفسية
كما يرى ذلك الدكتور أحمد المجدوب خبير علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بمصر ، العوامل الاقتصادية تتجلى بالاساس في البطالة التي تحول دون حصول الشاب على الاستقلال الاقتصادي الذي يستطيع من خلاله ضمان دخل يمكنه من تحمل مسؤولية الزواج.
وفي حوار لنا مع عالم النفس التربوي والمعالج النفسي بالرباط الاستاذ الدكتور أحمد الامام .قال ( إن الإنسان يسعى لإثبات الذات ويريد أن ينجح مهنيا واجتماعيا أي أن ينجح في الحصول على دبلوم ,وبالتالي عمل كما نقصد بالنجاح الاجتماعي ,يضيف أحمد الامام أن الانسان يتوفر على مضامين الاندماج الاجتماعي أي المسكن والملبس المحترم والسيارة وغيرها و يخلص الامام الى أن هذا سيتطلب من الانسان سنوات عديدة اذا لم يحصل على مساعدة أهله ومن هنا تبدأمراحل الاضطرابات النفسية إذ أن الانسان سيجد نفسه أمام حاجيات فزيولوجية فطرية محضة لانقاش فيها,و المسألة الثانية سيجد نفسه أمام حاجيات عاطفية وهي أيضا لا نقاش فيها , والمسألة الثالثة سيجد نفسه أمام إثبات الذات مهنيا واجتماعيا.
يقول أحمد (26)< لدي أصدقاء تجاوزوا بكثير السن الطبيعي للزواج, ولم يكن السبب هو البطالة فحسب بل تدني مستوى الدخل الفردي أمام المطالب الصعبة وطبيعة التقاليد الاجتماعية لمدن الشرق عكس مدن الغرب ,فبإمكاني أن أجزم أن %80 من شباب المدينة وجدة لم يتزوجوا بعد ,إذ أن بلوغ سن الثلاثين كاد أن يكون عرفا اجتماعيا للزواج>
وهناك أيضاً عوامل اجتماعية تتمثل في تجاهل الأسر للظروف الاقتصادية حيث تطالب الشاب الراغب في المصاهرة بمطالب يعجز عن تلبيتها في ظل الظروف الراهنة مثل المغالاة في المهور ,وانتشار الفاحشة التي لم يعد معها الزواج ضرورة عند البعض وفي هذا الصدد يقول الشيخ عبد الله بن المدني مدير دار القرآن بمدينة بني ملال < العزوف عن الزواج له اسباب كثيرة من بينها غلاء المهور لهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ييسر هذا الباب , حتي كان يزوج على آية أو سورة من كتاب الله يعلمها إياها وفي الحقيقة أهم الاسباب هو انحراف المجتمع,ففيه من التفسخ ما يجعل الزواج عند الرجال غير مرغوب فيه ذلك لأن شهوات من لا يعف نفسه ولا يخشى الله يجد لها أبوابا ,والإنسان إذا وجد هذا النوع من الغريزة وليست عنده مراقبة الله عز وجل ينصرف عن الزواج >
وبرأي مخالف يحكي أحد العازفين عن الزواج قائلا: < أمام شدة تدين أغلب العائلات بوجدة يصعب اللجوء إلى دور الدعارة ,وللحصول على تكاليف الزواج ابتداءا من المهر وانتهاءا عند تكاليف العرس والمسكن يلجأ الشاب الى التهريب وخوض المخاطر.وحتى لو فكرنا في الزواج خارج المنطقة يحضر مشكل القبلية في الزواج و يعارض الاهل بشدة بالرغم من أن تكاليف الزواج في تلك المناطق ميسرا وفي صالح إبنهم>.
إلا أن الغريب في الامر أن الاسر إذا كان لها أبناء ذكور فإنها تعيب على غيرها من الاسر مبالغتها في المطلب,وهذه ازدواجية مرضية ان الأوان للتخلص منها.ومواجهة الأمور في واقعنا المعاصر بما يجعلها تساير الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة>
وهناك بعض الحالات التي تعرقل الزواج مثل التزام الترتيب بين الأبناء في سلم الزواج أو اشتراط نسب مشرف ومن عائلة معروفة ,أو جشع وطمع بعض أولياء الفتيات, مما يولد الضغينة داخل أفراد الاسرة,خاصة إذا كانت الفتاة موظفة يخشها وليها توقف حصته من دخلها الشهري فيرفض تزويجها بدعوى أن من يريد الزواج منها يطمع في دخلها لتعينه على متطلبات الحياة.
وقد بعثت إحدى الفتيات لمنبر إسلامي تسأله عن مصير أبيها تقول<أنا فتاة في الخامس والثلاثين من عمري,لدي أربع أخوات ولم تتزوج ولا واحدة منا بسبب أن أبي سامحه الله يرفض كل من يتقدم لنا للإستحواد على مرتباتنا, وقبل فترة وجيزة توفيت إحدى شقيقاتي وفي أثناء خروج الروح نظرت إلى أبي وقالت له:قل آمين يا أبي. وقال لها:آ مين. فقالت له :حرمك الله من رائحة الجنة كما حرمتني من الزواج>.فأصبح أبي حائرا مذهولا لا ينام .
أيضا يحول دون تحقيق الزواج مشكل طول سنوات التمدرس بالنسبة للذكور والرغبة في إتمام الدراسة ولو على حساب تقدم السن بالنسبة للإناث,ومع الإحتكاك المستمر بين الجنسين في جل الأماكن ,ينتج نوع منً الإشباع النسبيً للغرائز المتفجرة في فترة المراهقة ,خاصة وأن العلاقات المحرمة شرعا أصبحت في متناولهم واقعا,وبدون جهد أو حرج يذكر .
إلا أنه من النفروض تشجيع الزواج لحماية توازن النواة الأولى التي هي الأسرة-
كما يقول الدكتور أحمد الإمام- لوضع قواعد للتوازن النفسي فالمفروض أن العلاقات الجنسية فطرة يجب أن لا نغفلها ,بالرغم من أن مجتمعنا صار يطلب أشياء إضافية إلا أنه لا مانع من أن نبحث بذكائنا عن طرق للتأقلم مع النمو الاداري فإذا كنا نعيش في فترة تتطلب دراسة طويلة,أو جهدا كبيرا قبل القدرة على الإنفاق,فعلى المؤسسات العامة للدولة أن تضع أرضية لتشجيع الزواج–كما يحدث في بلدان كثيرة- حتى لو الشاب والشابة طلبة مما سيمكنهم من عيش تجربة صحية,رغم إمكانية عدم توافقهما,إلا أننا سنمكنهم من الخروج بقواعد عقلية واضحة>.
آثار العنوسة:تنتج عن ظاهرة العنوسة حسب دراسات لمختصين في علم النفس والإجتماع آثار سلبية تتجلى في:1-الانحلال الخلقي إذ أصبحت للعلاقات غير الشرعية والعزوف عن الزواج علاقة تأثر وتأثير.فالأولى سببها الثانية والعزوف عن الزواج يؤدي حتما الى ممارسات لا أخلاقية, تنتج أبناء غير شرعيين مع ظهور الزواج العرفي, الذي يمكن من الحصول على أنثى بطريقة سهلة و التخلي عليها بشكل أسهل.
وبما أن الفرد جزء لا يتجزأ من المجتمع ككل, فإن نوعية سلوكاته تؤثر على باقي أفراد المجتمع إن بالسلب أوبالإيجاب.
يقول الدكتور أحمد الامام <نحن نعيش في إطار مجتمع...ونعيش في ظل ظروف تتطلب منا تأخير بعض الأشياء لأننا كأبناء وكأمهات معرضون للإضطراب وللتضرر من بعضنا البعض كأسر وكجيران وكمجتمع>
2-ظهور بعض الأمراض:وقد تحدث الدكتور عن بعض منها قائلا:الإنسان الذي يعيش فترة عزوبة ممكن أن يعيش فترة عزوف عن الممارسة الجنسية, فالكثير يظنون أن هذا صواب, لكن يجب أن لا ننسى أن هذا يؤدي إلى إضطراب نم نوع تجسيدي أو ما يسمى بالإضطرابات النفسية العضوية ,وهي أولى بدايات الإضطراب, والمقصود هنا الذين يميلون إلى العزوف عن الزواج- إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا-فهم يجاهدون أنفسهم أحيانا فوق الطاقة,لكن حينما يكون الجهاد من سن 16إلى نسن 30 سنة فنحن نتحدث إذا عن إنسان أرسل إلى حرب عاريا حافيا وبدون سلاح.
والقصود أيضا بالإضطرابات النفسية العضوية التجسيدية أنها تبقى في جسم الإنسان,وأسبابها تكون نفسية وتتجلى في الرفض والخوف,ثم العزوف والتبرير بطريقة عقلية لموقفه والعزوف كذلك قد يؤدي إلى إضطرابات رهابية,بمعنى يصبح هناك تخوف من الجنس الآخر وعدم الأمان له,فأحيانا يصل الأمر إلى القرف من الجنس الآخر,نظرا لابتعاد الكثير عن هذا الجانب,فالإنسان لكي يقوي ابتعاده عن الممارسة الجنسية ,سيصور هذه العلاقة كشئ منحط مقرف,ويلجأ لهذا كله لمساعدة نفسه عن البتعاد بطريقة لاشعورية .في هاته الحالة التي يصبح فيها مريضا يقنع نفسه بأن أي ممارسة ما هي إلا حيوانية ,وأنها لا تؤدي إلا إلى استهلاك الطاقة الروحية وأنه أولى بالانسان أن يتجرد ويرتفع ليحافظ على ذاته وعلى كرامته وعلى كيانه>
وهذا بطبيعة الحال خلل ومرض نفسي سيئ كما أن الاخرين الذين يقدمون على الممارسة ألاشرعية يصابون بكثرة التشكك في والإضطرابات التي هي من نوع هوسي .وأحيانا يتعرضون لصدمات جنسية من خلال الممارسات لأن بعض المومسات يتعمدن تحطيم نفسية الشاب فيعيش مدة طويلة على الشعور بالنقص وبالعجز الجنسي .وبالخوف كذلك من الإقدام على علاقة مع أي امراة وبالتالي لايفكر في الزواج ويحلل الأخصائيون في علم الاجتماع إبعادٍ الظاهرة على الأسرة حيث يرون أن الوالدان يعيشان المشكلة بكامل طاقاتهما ويشعران بعمق أحاسيس إبنهما فيصيبهما القلق على مسقبله والرغبة في رؤية أحفادهما .
كما أن باقي أفراد الأسرة يحسون بالشفقة على أخيهم والخوف من تكرار التجربة معهم سواء كانواذكورأم إناثا.
الحلول المقترحة:للوصول إلى الدواءالناجح والعلاج الشافئ كان لابد من تشخيص الداء لمعرفة نوعية الدواء, والمتمثل في القضاء على الأسباب المؤدية للظاهرة .
وفي هذا الإطار يقترح الأستاذ عبد الله بن المدني حملة حلول من وجة نظر شرعية توجب ضرورة إزالة العقبات التي تحول دون تنفيذ الزواج ومن أهمها العادات المتفشية في المجتمع مثل غلاء المهور وما يتبعه مما يسمى بالتقاليد التي تقف حائلا دون تحقيق هذا الأمرالذي أراده الله عز وجل والذي رغبت فيه شريعة الإسلام
لهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزوج على آية من كتاب الله اوسورة يعلمها إياها ويضيف قائلا بل إن الإسلام ذهب إلى أبعد من ذلك .فإذا وجد الولي شابا حسن الأخلاق وصالحا فينبغي أن يتقدم هو لخطبته .كما ذكر الله عز وجل في قصة موسى مع شعيب قال :إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجم >
وقصة سعيد بن المسيب الذي خطب لابنته شاب من طلبة العلم هذه القصص إضاءة وأنوار لأناس اليوم ليجددوا به حياتهم, وهناك أيضا من يجعل البطالة سببا في تأخر الزواج الى أن يصبح عانسا .الا انني .لاأاعتبرها عائقا من العوائق لأن الزواج به يبارك الله حياة الإنسان .ويكثر رزقه فقد جاء في الحديث الصحيح ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال :<<ثلاثة على الله حق أن يعيلهم .منهم الذي يريد العفاف >>وقد قال الله عز وجل في هذا المقام :<وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله .>>
ولذلك فهم عبد الله بن العباس مماأاتاه الله من حسن تؤويل القرآن مسألة قال فيها <من أراد الغنى فليتزوج>لتبقى المسألة يقين وتوكل على الله سبحانه وليست مسألة بطالة .
أما المسألة الثالثة: وهي تحكم النزعات القبلية فمن الواجب أن يبنى الزواج على شرطين أساسيين :الاول هو التدين والثاني يتمثل في الاخلاق – فمن كان متدينا ذا خلق حسن فهو أهل لأن يتزوج
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح <إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه .الاتفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير >>
وهو ما نلحظه الآن من فساد عظيم حينما أصبحنا نختار الزوج على أسس غيرأسس الدين,لهذا نحن نفكر في خلق صندوق للزواج في إطار العمل الخيري .حبذا لو تأسست جمعيات مهتمة بتيسير الزواج أمام الشباب لأنهم يشكون من ذلك.
أما الحلول المقترحة من طرف مختصين في علم النفس و العلوم التربوية والاجتماعية فنجملها بما جاء على لسان عالم النفس التربوي أحمد الامام حيث يؤكد على أن من بين الحلول هو الوعي بالصحة النفسية ,إذلا زال عندنا في المغرب نقص في البرامج التربوية في هذا المجال ويجب أن يعمل جهد كبير في هذا الموضوع من طرف وسائل الإعلام سواء المقروءة أو السمعية البصرية, وحتى من طرف الجمعيات .ليعرف الناس ماهي الأمراض النفسية الناتجة عن العزوف عن الزواج ,كيف تقع ؟كيف تتطور من خلال التربية والمعاملة داخل الاسر ؟كما يحدث الآن مع الامراض العضوية .
أما العنصر الثاني فيتمثل في ضرورة التفكير في الأهداف وهذا الدور تقوم به الأسرة ؛ فالأهداف الحقيقية ليست هو النجاح فقط في الجانب المهني والاجتماعي بل هناك عنصر ثالث لا يقل أهمية وهو الإهتمام بالشاب عضويا فالمحافضة على الجسد من أهم الضروريات .وأنا أكرر ما قاله الإسلام قبلي وهو <أن الانسان يجب أن يتزوج – ولايمكن نسيان هذه الحقيقة – كان ذكر أم أنثى .لن نقرض عليه ولكن نساعده على الأقل ونزيل المعوقات ومما يهمنا نحن هو نلتقي الشاب والشابة في الإطار الشرعي الذي هو الزواج على أساس المحبة والتفاهم وتشكيل الأسرة .وعلى الأهل إذن أن يغلبوا منطق المحكمة ومنطق الصلاح والإصلاح على مجرد الحسابات المادية المظهرية والنظرة الاستهلاكية العابرة نحن لانزيد حلولا ترقيعة – فصناديق الزواج أو الزواج الجماعي تعبر على أننا فقدنا القدرة على الإصلاح بل نريد أن يحس الشاب أن عائلته من تلقاء ذاتها تسعى لتسهيل زواجه وإيجاد حلول له ,وكذلك بالنسبة لعائلة الفتاة التي يريد مصاهرتها ,كما نتمنى من المؤسسات المختصة أن تبني مساكن خاصة وبأثمان رمزية للأزواج الذين لم يتعدوا سن معينا لتشجيع الزواج المبكر.
إذن وكما يقول المثل الصيني( علمي كيف أصطاد ولاتعطيني كل يوم سمكة )هذا هو ما نخلص إليه لنوجه ليس أصابع الإتهام, وإنما نوجه الكلام إلى كل معني بالأمر أن يسعى جاهدا-كل حسب طاقته وموقعه ضمن أفراد المجتمع - لمحاولة الحد من الظاهرة إن لم نقل القضاء عليها في الألفية الراهنة. .